فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً} في هذا الاستثناء قولان:
أصحهما: أنه استثناء منقطع لوجهين:
أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها سواء فسرنا الباطل بغير عوض، أو بغير طريق شرعيّ.
والثاني: أن المستثنى كون، والكون ليس مالًا من الأموال.
الثالث: أنه متصل قيل: لأن المعنى لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة.
قال أبو البقاء: وهو ضعيف؛ لأنه قال: بالباطل، والتجارة ليست من جنس الباطل، وفي الكلام حذف مضاف تقديره؛ إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة انتهى. فأن تكون في محل نصب على الاستثناء وقد تقدم تحقيقه.
وقرا الكوفيون تجارة نصبًا على أن كان ناقصة، واسمها مستتر فيها يعود على الأموال، ولابد من حذف مضاف من {تجارة} تقديره: إلا أن تكون الأموال أموال تجارة، ويجوز أن يفسر الضمير بالتجارة بعدها أي: إلا أن تكون التجارةُ تجارةً كقوله: [الطويل]
إذَا كَانَ يَوْمًا ذَا كَواكِبَ أشْنَعَا

أي إذا كان اليوم يومًا، واختار أبو عبيدةَ قراءة الكوفيين، وقرأ الباقون {تجارةٌ} رفعًا على أنها كان التامة قال مكي وأكثر كلام العرب أن قولهم إلا أن تكون في هذا الاستثناء بغير ضمير فيها يعود على معنى: يحدث ويقع، وقد تقدم الكلام على ذلك في البقرة.
وقوله: {عَن تَرَاضٍ} متعلق بمحذوف لأنه صفة لـ {تجارة} فموضعه رفع أو نصب على حسب القراءتين، وأصل {تراض} تراضِوٌ بالواو؛ لأنه مصدر تراضي تَفَاعَلَ من رَضِيَ، ورَضِيَ من ذوات الواو بدليل الرُّضوان، وإنما تطرفت الواو بعد كسرة فقلبت ياء فقلت: تراضيًا، و{منكم} صفة لتراضٍ، فهو محل جر ومن لابتداء الغاية.
قوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} {مَنْ} شرطيَّة مبتدأ، والخبر {فَسَوْفَ} والفاءُ هنا واجبة لِعَدَمِ صلاحيَّةِ الجَوَابِ للشَّرْطِ، و{ذَلٍكَ} إشارةٌ إلى قتل الأنفُسِ قال الزَّجَّاجُ: يَعُودُ إلى قَتْلِ الأنْفُسِ، وأكل المالِ بالبَاطِلِ؛ لأنَّهُمَا مذكوران في آية واحدة.
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهُ يعودُ على كُلِّ ما نهى اللهُ عنه من أوَّلِ السُّورةِ إلى هذا المَوْضعِ، وقال الطَّبريُّ: {ذلك} عائد على ما نهي عنه من آخر وعيد وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهًا} [النساء: 19]؛ لأنَّ كل ما ينهى عنه من أوَّلِ السُّورةِ قرن به وعيد، إلا مِنْ قوله: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهًا} [النساء: 19] فإنَّهُ لا وعيدَ بَعْدَهُ إلا قوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك عُدْوَانًا} [النساء: 30] الآية. وقيل الوعيد بذكر العُدْوَانِ والظُّلْمِ، ليخرج منه فعل السَّهْوِ والغلط، وذكر العُدْوَانِ، والظُّلْمِ مع تقارب معناهما لاختلافِ ألفاظِهِما كقوله: بُعْدًا وسُحْقًا وقوله يعقوب عليه السلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} [يوسف: 86] وقوله: [الوافر]
وألْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا

و{عدوانًا وظلمًا} حالان أي: متعديًا ظالمًا أو مفعول من أجلها وشروط النصب متوفرة وقُرِئَ: {عِدْوانًا} بكسر العين. والعدوان: مُجاوَرَةُ الحَدّ، والظُّلْمُ: وضع الشَّيْءِ في غير مَحَلِّه، ومعنى {نُصْلِيهِ نَارًا}، أي: يمسُّه حَرُّهَا. وقرأ الجمهور: {نُصْلِيهِ} من أصْلَى، والنون للتعظيم. وقرأ الأعْمَشُ: {نُصْلِّيه} مُشَدّدًا.
وقرئ: {نَصْليه} بفتح النُّونِ من صَلَيْتُه النَّار. ومنه: شاة مصلية.
و{يصليه} بياء الغَيْبَةِ. وفي الفاعِلِ احتمالان:
أحدهُمَا: أنَّهُ ضميرُ الباري تعالى.
والثَّاني: أنَّهُ ضميرٌ عائدٌ على ما أُشير به إلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ؛ لأنَّهُ سَبَبٌ في ذلك ونكر نارًا تعظيمًا. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: أما أكلهم أموالهم بينهم بالباطل، فالزنا والقمار والبخس والظلم {إلا أن تكون تجارة} فليرب الدرهم ألفًا إن استطاع.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن في الآية قال: كان الرجل يتحرَّج أن يأكل عند أحد من الناس بعدما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك بالآية التي في النور {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم..} [النور: 61] الآية.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} قال: عن تراض في تجارة، بيع أو عطاء يعطيه أحد أحدًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه عن قتادة في الآية قال: التجارة رزق من رزق الله، وحلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها، وقد كنا نحدث أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة.
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء».
وأخرج ابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ابن عمر مرفوعًا قال «التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة».
وأخرج الحاكم عن رافع بن خديج قال: قيل: يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال: «كسب الرجل بيده، وكل بيع مبرور».
وأخرج الحاكم والبيهقي في سننه عن أبي بردة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب أو أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
وأخرج سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسعة أعشار الرزق في التجارة، والعشر في المواشي».
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن صفوان بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلم أن عون الله مع صالحي التجار».
وأخرج الأصبهاني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق في ظل العرش يوم القيامة».
وأخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يمدحوا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا».
وأخرج الأصبهاني عن أبي أمامة مرفوعًا «أن التاجر إذا كان فيه أربع خصال طاب كسبه: إذا اشترى لم يذم، وإذا باع لم يمدح، ولم يدلس في البيع، ولم يحلف فيما بين ذلك».
وأخرج الحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله، وبرَّ، وصدق».
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن شبل قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التجار هم الفجار. قالوا: يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى. ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون».
وأخرج الحاكم وصححه عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة».
أخرج ابن ماجه وابن المنذر عن ابن سعيد في قوله تعالى: {عن تراضٍ منكم} قال: قال رسول الله: «إنما البيع عن تراض».
وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلمًا».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي زرعة. أنه باع فرسًا له فقال لصاحبه: اختر فخيره ثلاثًا ثم قال له: خيرني. فخيره ثلاثًا، ثم قال: سمعت أبا هريرة يقول: هذا البيع عن تراض.
وأخرج ابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال: «اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب حمل خبط، فلما وجب البيع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختر... فقال الأعرابي: عمرك الله بيعًا».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم باع رجلًا ثم قال له: اختر... فقال: قد اخترت... فقال: هكذا البيع».
وأخرج ابن جرير عن أبي زرعة أنه كان إذا بايع رجلًا يقول له: خيرني... ثم يقول: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفترق بيعان إلا عن رضا».
وأخرج ابن جرير عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهل البقيع لا يتفرقن بيعان إلا عن رضا».
وأخرج البخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر...».
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح وعكرمة {ولا تقتلوا أنفسكم} قالا: نهاهم عن قتل بعضهم بعضًا.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد {ولا تقتلوا أنفسكم} لا يقتل بعضكم قال: بعضًا.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي {ولا تقتلوا أنفسكم} قال: أهل دينكم.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمرو بن العاص قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل، احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت به ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت ذلك له فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله: {ولا تقتلوا أنفسكم} فتيممت ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس «أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جنب، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فدعاه فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله خشيت أن يقتلني البرد، وقد قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر عن عاصم بن بهدلة. أن مسروقًا أتى صفين فقام بين الصفين فقال: يا أيها الناس أنصتوا، أرأيتم لو أن مناديًا ناداكم من السماء فرأيتموه وسمعتم كلامه، فقال: إن الله ينهاكم عما أنتم فيه، أكنتم منتهين؟ قالوا: سبحان الله..! قال: فوالله لقد نزل بذلك جبريل على محمد، وما ذاك بأبين عندي منه، إن الله قال: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} ثم رجع إلى الكوفة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ومن يفعل ذلك} يعني الأموال والدماء جميعًا {عدوانًا وظلمًا} يعني متعمدًا إعتداء بغير حق {وكان ذلك على الله يسيرًا} يقول: كان عذابه على الله هينًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جرير قال: قلت لعطاء: أرأيت قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا} في كل ذلك أم في قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم}؟ قال: بل في قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم}. اهـ.